الآفة العشرون: سؤال العوام عن صفات الله تعالى وعن كلامه وعن الحروف ، وأنها قديمة أو محدثة .
ومن حقهم الاشتغال بالعمل بما في القرآن إلا أن ذلك ثقيل على النفوس والفضول خفيف على القلب ، والعامي يفرح بالخوض في العلم ؛ إذ الشيطان يخيل إليه أنك من العلماء وأهل الفضل ولا يزال يحبب إليه ذلك حتى يتكلم في العلم بما هو كفر وهو لا يدري وكل كبيرة يرتكبها العامي ، فهي أسلم له من أن يتكلم في العلم لا سيما فيما يتعلق بالله وصفاته ، وإنما شأن العوام الاشتغال بالعبادات والإيمان بما ورد به القرآن والتسليم لما جاء به الرسل من غير بحث وسؤالهم عن غير ما يتعلق بالعبادات وسوء أدب منهم يستحقون به المقت من الله عز وجل ويتعرضون لخطر الكفر ، وهو كسؤال ساسة الدواب عن أسرار الملوك وهو موجب للعقوبة وكل من سأل عن علم غامض ولم يبلغ فهمه تلك الدرجة ، فهو مذموم فإنه بالإضافة إليه عامي ، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم : ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم .
وقال أنس سأل الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فأكثروا عليه وأغضبوه ، فصعد المنبر وقال : سلوني لا ؛ تسألوني عن شيء إلا أنبأتكم به . فقام إليه رجل فقال : يا رسول الله ، من أبي ؟ فقال : أبوك حذافة فقام إليه شابان أخوان ، فقالا : يا رسول الله ، من أبونا ؟ فقال : أبوكما الذي تدعيان إليه . ثم قام إليه رجل آخر فقال : يا رسول الله ، أفي الجنة أنا أم ، في النار ؟ فقال : لا ، بل في النار . فلما رأى الناس غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم أمسكوا فقام إليه عمر رضي الله عنه فقال : رضينا بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا . فقال اجلس يا عمر رحمك الله ، إنك ما علمت لموفق .
وفي الحديث نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القيل والقال ، وإضاعة المال وكثرة السؤال وقال صلى الله عليه وسلم: يوشك الناس يتساءلون بينهم حتى يقولوا : قد خلق الله الخلق ، فمن خلق الله؟ فإذا قالوا ذلك، فقولوا: قل هو الله أحد، الله الصمد حتى تختموا السورة، ثم ليتفل أحدكم عن يساره ثلاثا، وليستعذ بالله من الشيطان الرجيم وقال جابر ما نزلت آية التلاعن إلا لكثرة السؤال .
وفي قصة موسى والخضر عليهما السلام تنبيه على المنع من السؤال قبل أوان استحقاقه ; إذ قال : فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا فلما سأل عن السفينة أنكر عليه حتى اعتذر وقال : لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا فلم يصبر حتى سأل ثلاثا قال هذا فراق بيني وبينك وفارقه .


