الأدب الرابع : أن لا يقوم ولا يرفع صوته بالبكاء وهو يقدر على ضبط نفسه ، ولكن إن رقص أو تباكى فهو مباح إذا لم يقصد به المراءاة لأن التباكي استجلاب للحزن ، والرقص سبب في تحريك السرور والنشاط .
فكل سرور مباح فيجوز تحريكه .
ولو كان ذلك حراما لما نظرت عائشة رضي الله عنها إلى الحبشة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يزفنون .
.. هذا لفظ عائشة رضي الله عنها في بعض الروايات .
وقد روي عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم أنهم حجلوا لما ورد عليهم سرور أوجب ذلك ، وذلك في قصة ابنة حمزة لما اختصم فيها علي بن أبي طالب وأخوه جعفر وزيد بن حارثة رضي الله عنهم فتشاحوا في تربيتها فقال صلى الله عليه وسلم لعلي : أنت مني وأنا منك. فحجل علي ، وقال لجعفر : أشبهت خلقي وخلقي. فحجل وراء حجل علي وقال لزيد : أنت أخونا ومولانا ، فحجل زيد وراء حجل جعفر ، ثم قال صلى الله عليه وسلم : هي لجعفر ; لأن خالتها تحته ، والخالة والدة .
وفي رواية أنه قال لعائشة رضي الله عنها أتحبين أن تنظري إلى زفن الحبشة والزفن والحجل هو الرقص .
وذلك يكون لفرح أو شوق ، فحكمه حكم مهيجه إن ، كان فرحه محمودا والرقص يزيده ويؤكده ، فهو محمود ، وإن كان مباحا فهو مباح ، وإن كان مذموما فهو مذموم. .
نعم ، لا يليق اعتياد ذلك بمناصب الأكابر وأهل القدوة ; لأنه في الأكثر يكون عن لهو ولعب وما له ، صورة اللعب واللهو في أعين الناس فينبغي أن يجتنبه المقتدي به لئلا يصغر في أعين الناس فيترك الاقتداء به .
وأما تمزيق الثياب فلا رخصة فيه إلا عند خروج الأمر عن الاختيار ولا يبعد أن يغلب الوجد بحيث يمزق ثوبه وهو لا يدري لغلبة سكر الوجد عليه أو يدري ولكن يكون كالمضطر الذي لا يقدر على ضبط نفسه وتكون صورته صورة المكره إذ يكون له في الحركة أو التمزيق متنفس فيضطر إليه اضطرار المريض إلى الأنين ولو كلف الصبر عنه لم يقدر عليه مع أنه فعل اختياري ، فليس كل فعل حصوله بالإرادة يقدر الإنسان على تركه ، فالتنفس فعل يحصل بالإرادة ، ولو كلف الإنسان أن يمسك النفس ساعة لاضطر من باطنه إلى أن يختار التنفس .
فكذلك الزعقة وتمزيق الثياب قد يكون كذلك فهذا لا يوصف بالتحريم .
فقد ذكر عند السري حديث الوجد الحاد الغالب فقال : نعم يضرب وجهه بالسيف وهو لا يدري فروجع فيه واستبعد أن ينتهي إلى هذا الحد فأصر عليه ولم يرجع .
ومعناه ، أنه في بعض الأحوال قد ينتهي إلى هذا الحد في بعض الأشخاص .


