واختلف فيمن ظن أنه رعف أو أحدث فخرج ثم تبين له أنه لم يصبه ذلك: هل يبني؟ وإن كان إماما هل يفسد عليهم؟ فقال مالك: يبتدئ الصلاة ولا يبني .
وظاهر قول ابن القاسم أنه إن كان إماما لم يفسد; لأنه لم يتعمد.
قال سحنون في المجموعة: لأنه خرج بما يجوز له، ويبتدئ الصلاة خلف الذي استخلفه.
وقال في كتاب ابنه: أبطل عليهم; لأنه يستطيع أن يعلم ما خرج منه قبل أن يخرج من المحراب، إلا أن يكون في ليل مظلم.
وقال محمد بن عبد الحكم: يبني ولا يبطل على من خلفه; بمنزلة من ظن [ ص: 395 ] أنه سلم فخرج ثم عاد فسلم.
وهو أقيس; لحديث ذي اليدين أنه خرج - صلى الله عليه وسلم - وهو يظن أنه أتم، فتكلم ثم بنى .
واختلف فيمن تنحنح مختارا أو نفخ أو جاوب إنسانا بالتسبيح أو بآية من القرآن أو فتح على من ليس معه في صلاة، فقال مالك في النفخ: أراه بمنزلة الكلام . وقال في المجموعة: أكرهه، ولا يقطع الصلاة .
وقال أيضا: إذا تنحنح يسمع إنسانا فلا شيء عليه .
وقال في مختصر ما ليس في المختصر: ذلك كلام; لقول الله -عز وجل-: فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما [الإسراء: 23] وأخذ الأبهري بالقول الأول; قال: لأنه ليس له حروف هجاء .
والقول: إن الصلاة صحيحة إذا تنحنح أو نفخ أحسن، وليس هذا من الكلام المراد بالنهي. [ ص: 396 ]
وقال مالك فيمن اضطره أنين من وجع: لم تفسد صلاته.
وإذا سها الإمام سبح به من خلفه من الرجال. واختلف في المرأة هل تسبح به كالرجل أو تصفق ولا تسبح، فقال في الكتاب: تسبح .
وقيل: تصفق; لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " من نابه شيء في صلاته فليسبح الرجال، وليصفق النساء" أخرجه " البخاري .
ولا يضعف هذا بقوله: " من نابه شيء في صلاته فليسبح" . لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقتصر في البيان على التسبيح خاصة، بل قال: " وليصفق النساء" . وعلق ذلك بما ينوب في الصلاة; ولأنه لا يختلف أن أول الحديث لا ينسخ آخره، وإنما تكلم الناس هل ينسخ أوله بآخره، وإنما أراد - صلى الله عليه وسلم - أن كلام المرأة فيه شيء، وإذا كانت مندوحة عن ذلك لم تتكلم ، والتصفيق يبلغ من ذلك ما يبلغ التسبيح; لأن التسبيح من الرجال لا يفهم الحادث ما هو ، وإنما يفهم منه أنه دخل عليه شيء في صلاته، والتصفيق يفهم منه ذلك. [ ص: 397 ]
ولا بأس على من استؤذن عليه وهو في الصلاة أن يسبح ليعلمه أنه في الصلاة.
وقال ابن حبيب : وما جاز للرجل أن يتكلم به في صلاته من الذكر والقراءة فيجوز أن يراجع بذلك رجلا أو يوقفه; وقد استأذن رجل على ابن مسعود وهو في الصلاة فقال: ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين [يوسف: 99] .
ويجري فيها قول آخر; أن الصلاة تبطل قياسا على أحد القولين فيمن فتح بالقرآن على من ليس معه في الصلاة; ولأن الحديث: " من نابه شيء في صلاته" أنه كان فيما يتعلق بالصلاة; " أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر يصلي بالناس فسبحوا به فالتفت أبو بكر، ثم تأخر وتقدم النبي - صلى الله عليه وسلم -. . ." الحديث .
وأجاز ابن القاسم في المدونة أن يسلم على المصلي .
وقال ابن وهب عن مالك في المبسوط: لم يكن يعجبه أن يسلم على المصلي. وأجاز في المدونة إذا سلم على المصلي أن يرد إشارة .
وقال ابن القاسم في المدونة فيمن كان في صلاة وبين يديه كتاب فجعل [ ص: 398 ] يقرؤه، قال: إن كان عامدا ابتدأ الصلاة، وإن كان ساهيا سجد للسهو .
يريد: أنه نطق بالقراءة، ولو قرأ في نفسه لم تبطل صلاته وإن كان عامدا، إلا أن يطيل ذلك. وإن كان فيه قرآن لم يكن عليه شيء وإن نطق وهو عامد.


