قوله ( وصح عتق مشتر من غاصب بإجازة بيعه لا بيعه ) وهذا عندهما ، وقال محمد لا يجوز عتقه أيضا لأنه لم يملكه ، وفي الحديث { لا عتق لابن آدم فيما لا يملك } ، وهذا لأن عقد الفضولي موقوف ، وهو لا يفيده لعدم النفاذ ، وثبوته عند الإجازة استنادا فهو ثابت من وجه زائل من وجه فلا يصلح شرطا للإعتاق ، وهو الملك الكامل لإطلاقه في الحديث ، وهو للكامل ، ولذا لو أعتقه الغاصب ثم أدى الضمان لم يصح العتق مع أن الملك الثابت له بالضمان أقوى من الملك الثابت للمشتري حتى ينفذ بيع الغاصب بأداء الضمان ، ولا ينفذ بيع المشتري بإجازة المالك الأول ، وكذا لو أعتقه المشتري ، والخيار للبائع ثم أجاز البيع لا ينفذ عتقه ، وكذا إذا قبض المشتري من الغاصب ثم باعه ثم أجاز المالك البيع الأول لم ينفذ البيع الثاني مع أن البيع أسرع نفاذا من العتق حتى صح بيع المكاتب والمأذون دون عتقهما ولذا لو باع الغاصب المغصوب ثم أدى الضمان نفذ بيعه ، ولو أعتقه ثم أدى الضمان لم ينفذ .
وكذا لو باعه الغاصب فأعتقه المشتري منه ثم أدى الغاصب الضمان صح بيع الغاصب ، وبطل عتقه ، ولهما أن الملك موقوف فيه فيتوقف الإعتاق مرتبا عليه ، وينفذ بنفاذه كإعتاق المشتري من الراهن يتوقف ، وينفذ بإجازة المرتهن ، وإعتاق المشتري من الوارث حال استغراق التركة بالدين فأجاز الغرماء البيع ، وإعتاق الوارث عبدا من التركة ، وهي مستغرقة به فقضى الدين أو أبرأ الغرماء فإنه ينفذ ، وهذا لأن العتق من حقوق الملك ، والشيء إذا توقف توقف بحقوقه ، وإذا نفذ نفذ بحقوقه بخلاف إعتاق الغاصب نفسه لأنه لم يوضع للملك ، وإنما يملكه ضرورة أداء الضمان فلم يكن مثبتا له للحال ، ولا سببا له ، ولذا لا يتعدى إلى الزوائد بخلاف الملك في بيع الفضولي فإنه يتعدى إلى الزوائد المتصلة والمنفصلة ، وبخلاف ما إذا كان فيه خيار البائع لأنه ليس بمطلق ، والكلام فيه ، وهو مانع من انعقاده في الحكم أصلا فلم يوجد الملك فيه قيد بعتق المشتري لأن عتق الغاصب لا ينفذ بأداء الضمان لما بيناه ، وقيد بإجازة بيعه لأنه لا ينفذ بأداء الضمان من الغاصب ، ولكن يرد عليه أن المشتري إذا أدى الضمان ينفذ على الصحيح لأن ملك المشتري ثبت مطلقا بسبب مطلق ، وهو الشراء بخلاف الغاصب لأنه سبب ضروري فكان الملك فيه ناقصا هكذا ذكر الشارح فقد فرق بين أداء الغاصب الضمان وبين أداء المشتري منه .
وصرح في الهداية بأن عتق المشتري ينفذ بأداء الضمان من الغاصب ، وهو الأصح فلا فرق بين أداء الضمان من الغاصب أو من المشترى منه ، وجرى على ذلك في البناية فلو قال المؤلف بإجازة بيعه أو أداء الضمان لكان أولى ، وكذا لو قال وصح عتق مشتر من فضولي لكان أولى لأنه لا يشترط أن يكون غاصبا لأنه لو لم يسلم المبيع فالحكم كذلك ، ولعله إنما ذكره لأجل البيع لأن بيع العبد قبل قبضه فاسد ، وفي فتح القدير وهذه من المسائل التي جرت المحاورة بين أبي يوسف ومحمد حين عرض عليه هذا الكتاب فقال [ ص: 165 ] أبو يوسف ما رويت لك عن أبي حنيفة أن العتق جائز ، وإنما رويت أن العتق باطل ، وقال محمد بل رويت لي أن العتق جائز ، وإثبات مذهب أبي حنيفة في صحة العتق بهذا لا يجوز لتكذيب الأصل الفرع صريحا ، وأقل ما هنا أن يكون في المسألة روايتان عن أبي حنيفة قال الحاكم الشهيد قال أبو سليمان هذه رواية محمد عن أبي يوسف ، ونحن سمعنا من أبي يوسف أنه لا يجوز عتقه . ا هـ .
وأما بيع المشتري من الغاصب فإنما لا يصح لبطلان عقده بالإجازة فإن بها يثبت الملك للمشتري باتا ، والملك البات إذا ورد على الموقوف أبطله .
وكذا لو وهبه مولاه للغاصب أو تصدق به عليه أو مات فورثه فهذا كله يبطل الملك الموقوف لأنه لا يتصور اجتماع البات والموقوف في محل واحد على وجه يطرأ فيه البات ، وإلا فقد كان ملك بات ، وعرض معه الملك الموقوف كذا في فتح القدير ، وقيد بالعتق لأن في التفويض من الفضولي للمرأة إذا جعل أمرها بيدها فطلقت نفسها ثم أجاز الزوج لم تطلق ، وإنما ثبت التفويض الآن فإن طلقت نفسها الآن طلقت ، وإلا فلا ، والأصل في تصرف الفضولي أن كل تصرف جعل شرعا سببا لحكم إذا وجد من غير ولاية شرعية لم يستعقب حكمه ، ويتوقف إن كان مما يصح تعليقه جعل معلقا ، وإلا احتجنا أن نجعله سببا للحال متأخرا حكمه إن أمكن فالبيع ليس مما يتعلق فيجعل سببا في الحال فإذا زال المانع من ثبوت حكم الإجازة ظهر أثره من وقت وجوده ، ولذا ملك الزوائد ، وأما التفويض فاحتمل التعليق فجعلنا الموجود من الفضولي متعلقا بالإجازة فعندها يثبت التفويض للحال لا مستندا فلا يثبت حكمه إلا من وقت الإجازة ، وأما النكاح فلا يتعلق ، ولا يمكن أن يعتبر في حال التوقف سببا لمطلق الطلاق بل لملك المتعة المستعقب له ، ثم اعلم أن ظاهر قولهم إذا طرأ ملك بات على ملك موقوف أبطله أن بيع المشتري من الغاصب ينعقد موقوفا ، وإنما يبطل بطرو الملك البات بإجازة بيع الغاصب .
وقد قال في النهاية إنه لم ينعقد أصلا لتجرده عرضة للانفساخ ، وقد يقال فائدته لو أجاز المالك بيع المشتري من الغاصب لا بيع الغاصب ينبغي أن يصح بخلاف ما إذا أجاز بيع الغاصب ، وجوابه أن بيع المشتري لم ينعقد أصلا لما قدمناه عن البدائع أن الفضولي إذا باع ملك غيره لنفسه لم ينعقد ، وإنما ينعقد إذا باعه لمالكه ، وهنا باعه المشتري لنفسه فالظاهر ما في النهاية ، ولذا قال في المعراج إن المشتري من الغاصب إذا باع لا يتوقف ملكه لأن فائدة التوقف النفاذ ففي كل صورة لا يتحقق النفاذ لا يتوقف كبيع الحر ، وأورد على الأصل ما إذا باع الغاصب ثم أدى الضمان فإنه ينفذ بيعه مع أنه طرأ ملك بات ، وهو ملك الغاصب [ ص: 166 ] بأداء الضمان على ملك المشتري الموقوف ، وأجيب بأن ملك الغاصب ضروري ضرورة أداء الضمان فلم يظهر في إبطال ملك المشتري .


