( قوله : وقبل بعلة خبر عدل ، ولو قنا أو أنثى لرمضان وحرين أو حر وحرتين للفطر ) ; لأن صوم رمضان أمر ديني فأشبه رواية الإخبار ; ولهذا لا يختص بلفظ الشهادة خلافا لشيخ الإسلام ، ولا يشترط الدعوى لكن قال في الفتاوى الظهيرية : إنه قولهما أما على قول الإمام أبي حنيفة فينبغي أن يشترط الدعوى أما في شهادة الفطر والأضحى فيشترط لفظ الشهادة ، وتشترط العدالة في الكل ; لأن قول الفاسق في الديانات التي يمكن تلقيها من العدول غير مقبول كالهلال ورواية الإخبار ، ولو تعدد كفاسقين فأكثر كذا في الولوالجية بخلاف ما لا يتيسر تلقيه منهم حيث يتحرى في خبر الفاسق كالإخبار بطهارة الماء ونجاسته وحل الطعام وحرمته وبخلاف الهدية والوكالة ، وما لا إلزام فيه من المعاملات [ ص: 287 ] حيث يقبل خبره بدون التحري للزوم الضرورة ، ولا دليل سواه فوجب قبوله مطلقا
وحقيقة العدالة ملكة تحمل على ملازمة التقوى والمروءة ، والشرط أدناها ، وهو ترك الكبائر والإصرار على الصغائر ، وما يخل بالمروءة كما عرف تحقيقه في تعريف الأصول فلزم أن يكون مسلما عاقلا بالغا ، وأما الحرية والبصر وعدم الحد في قذف وعدم الولاء والعداوة فمختص بالشهادة ، وعن أبي حنيفة نفي رواية المحدود والظاهر خلافه لقبول رواية أبي بكرة بعد ما تاب ، وكان قد حد في قذف ، وأما مجهول الحال ، وهو المستور فعن أبي حنيفة قبوله وظاهر الرواية عدمه ; لأن المراد بالعدل في ظاهر الرواية من ثبتت عدالته ، وأن الحكم بقوله فرع ثبوتها ، ولا ثبوت في المستور ، وما ذكره الطحاوي من عدم اشتراط العدالة فمحمول على قبول المستور الذي هو إحدى الروايتين ، وصحح البزازي في فتاويه قبول المستور ، وهو خلاف ظاهر الرواية كما علمت أما مع تبين الفسق فلا قائل به عندنا وفرعوا عليه ما لو شهدوا في تاسع عشرين رمضان أنهم رأوا هلال رمضان قبل صومهم بيوم
وإن كانوا في هذا المصر لا تقبل شهادتهم ; لأنهم تركوا الحسبة ، وإن جاءوا من خارج قبلت ، وفي البزازية : الفاسق إذا رآه وحده يشهد ; لأن القاضي ربما يقبل شهادته لكن القاضي يرده ا هـ .
وأما في هلال الفطر فلأنه تعلق به نفع العباد ، وهو الفطر فأشبه سائر حقوقهم فيشترط فيه ما يشترط في سائر حقوقهم من العدالة والحرية والعدد وعدم الحد في قذف ولفظ الشهادة والدعوى على خلاف فيه إن أمكن ذلك وإلا فقد تقدم أنهم لو كانوا في بلدة لا قاضي فيها ، ولا والي فإن الناس يصومون بقول الثقة ويفطرون بإخبار عدلين للضرورة وأطلقه فشمل ما لو كان المخبر من مصر أو جاء من خارجه ، وهو ظاهر الرواية خلافا فللإمام الفضلي حيث قال : إنما يقبل الواحد العدل إذا فسر ، وقال : رأيته خارج البلد في الصحراء ، أو يقول : رأيته في البلدة من بين خلل السحاب
أما بدون هذا التفسير فلا يقبل كذا في الظهيرية ، وأشار إلى أنه يقبل في هلال رمضان شهادة واحد عدل على شهادة واحد عدل بخلاف الشهادة على الشهادة في سائر الأحكام حيث لا تقبل ما لم يشهد على شهادة رجل واحد رجلان ، أو رجل وامرأتان لما ذكرنا أنه من باب الإخبار لا من باب الشهادة كذا في البدائع وكذا تقبل فيه شهادة العبد على العبد كذا في البزازية ، وكذا شهادة المرأة على المرأة كذا في الظهيرية ، وإلى أنهم لو صاموا بشهادة واحد وغم هلال شوال فإنهم لا يفطرون فتثبت الرمضانية بشهادته لا الفطر خلافا لما روي عن محمد أنهم يفطرون ، وصححه في غاية البيان : وأما إذا صاموا بشهادة اثنين فإنهم يفطرون اتفاقا كذا في البدائع وحكى البزازي فيه خلافا ، والعلة غيم أو غبار أو نحوهما هنا ، وفي الأصول الخارج المتعلق بالحكم المؤثر فيه
وأشار إلى أن الجارية المخدرة إذا رأت هلال رمضان وبالسماء علة وجب عليها أن تخرج في ليلتها وتشهد بغير إذن مواليها كما صرح به البزازي واعلم أن ما كان [ ص: 288 ] من باب الديانات فإنه يكتفى فيه بخبر الواحد العدل كهلال رمضان وما كان من حقوق العباد ، وفيه إلزام محض كالبيوع والأملاك فشرطه العدد والعدالة ، ولفظ الشهادة مع باقي شروطها ، ومنه الفطر إلا أن يكون الملزم به غير مسلم فلا يشترط في الشاهد الإسلام ، وإلا ما لا يطلع عليه الرجال كالبكارة والولادة والعيوب في العورة فلا عدد ، ولا ذكورة وما لا إلزام فيه كالإخبار بالوكالات والمضاربات والإذن في التجارة والرسالات في الهدايا والشركات فلا شرط سوى التمييز مع تصديق القلب وما كان فيه إلزام من وجه كعزل الوكيل وحجر المأذون وفسخ الشركة والمضاربة فالرسول والوكيل فيها كما قبله عندهما وشرط الإمام عدالته أو العدد كما عرف في تحرير الأصول
وفي البزازية وقعت في بخارى سنة إحدى وسبعين وسبعمائة أن الناس صاموا يوم الأربعاء فجاء اثنان أو ثلاثة يوم الأربعاء التاسع والعشرين وأخبروا أنهم رأوا ليلة الثلاثاء ، وهذا الأربعاء يوفي الثلاثين اتفقت الأجوبة أن بالسماء علة عيدوا يوم الخميس وإلا لا صاموا ثمانية وعشرين بلا رؤية ثم رأوا هلال الفطر إن أكملوا عدة شعبان ثلاثين ، وقد كانوا رأوا هلال شعبان قضوا يوما ، وإن صاموا تسعا وعشرين لا قضاء عليهم أصلا ، فإن كانوا أتموا شعبان من غير رؤية هلاله أيضا قضوا يومين ا هـ .
( قوله وإلا فجمع عظيم ) أي ، وإن لم يكن بالسماء علة فيهما يشترط أن يكون فيهما الشهود جمعا كثيرا يقع العلم بخبرهم أي علم غالب الظن لا اليقين ; لأن التفرد من بين الجم الغفير بالرؤية مع توجههم طالبين لما توجه هو إليه مع فرض عدم المانع وسلامة الإبصار ، وإن تفاوتت الأبصار في الحدة ظاهر في غلطه قياسا على تفردنا قل زيادة من بين سائر أهل مجلس مشاركين له في السماع فإنها ترد ، وإن كان ثقة مع أن التفاوت في حدة السمع واقع أيضا كما هو في الإبصار مع أنه لا نسبة لمشاركته في السماع بمشاركته في الترائي كثرة ، والزيادة المقبولة ما علم فيه تعدد المجالس أو جهل فيه الحال من الاتحاد والتعدد كذا في فتح القدير وغيره وبهذا اندفع تشنيع المتعصبين في زماننا على مذهبنا حيث زعموا أن عدم قبول الاثنين لا دليل له ، وهو مردود ; لأن القياس حيث لا سمع أحد الأدلة الشرعية ،
والقياس المذكور صحيح لوجود ركنه وشرائطه ، ولم يريدوا بالتفرد تفرد الواحد ، وإلا لأفاد قبول الاثنين ، وهو منتف بل المراد تفرد من لم يقع العلم بخبرهم من بين أضعافهم من الخلائق ، وهذا هو ظاهر الرواية ، وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه يقبل فيه شهادة رجلين أو رجل وامرأتين سواء [ ص: 289 ] كان بالسماء علة أو لم يكن كما روي عنه في هلال رمضان كذا في البدائع ، ولم أر من رجحها من المشايخ ، وينبغي العمل عليها في زماننا ; لأن الناس تكاسلت عن ترائي الأهلة فانتفى قولهم مع توجههم طالبين لما توجه هو إليه فكان التفرد غير ظاهر في الغلط ولهذا وقع في زماننا في سنة خمس وخمسين وتسعمائة أن أهل مصر افترقوا فرقتين فمنهم من صام ، ومنهم من لم يصم وهكذا وقع لهم في الفطر بسبب أن جمعا قليلا شهدوا وعندنا قاضي القضاة الحنفي ، ولم يكن بالسماء علة فلم يقبلهم فصاموا وتبعهم جمع كثير على الصوم ، وأمروا الناس بالفطر وهكذا في هلال الفطر حتى إن بعض المشايخ الشافعية صلى العيد بجماعة دون غالب أهل البلدة وأنكر عليهم ذلك لمخالفة الإمام ، ولم يقدر الجمع الكثير في ظاهر الرواية بشيء فروي عن أبي يوسف أنه قدره بعد القسامة خمسين رجلا ، وعن خلف بن أيوب خمسمائة ببلخ قليل
وقيل : ينبغي أن يكون من كل مسجد جماعة واحد أو اثنان وعن محمد أنه يفوض مقدار القلة والكثرة إلى رأي الإمام كذا في البدائع ، وفي فتح القدير والحق ما روي عن محمد وأبي يوسف أيضا أن العبرة لتواتر الخبر ومجيئه من كل جانب ، وفي الفتاوى الظهيرية ، وإن كانت السماء مصحية لا تقبل شهادة الواحد في ظاهر الرواية بل يشترط العدد واختلفوا في تقديره ا هـ .
فظاهره أن ظاهر الرواية لا يشترط الجمع العظيم ، وإنما يشترط العدد ، وهو يصدق على اثنين فكان مرجحا لرواية الحسن التي اخترناها آنفا ، ويدل على ذلك أيضا ما في الفتاوى الولوالجية ، وإن كانت السماء مصحية لا تقبل شهادة الواحد عن أبي حنيفة أنه يقبل ; لأنه اجتمع في هذه الشهادة ما يوجب القبول ، وهو العدالة والإسلام وما يوجب الرد ، وهو مخالفة الظاهر فرجح ما يوجب القبول احتياطا ; لأنه إذا صام يوما من شعبان كان خيرا من أن يفطر يوما من رمضان وجه ظاهر الرواية أنه اجتمع ما يوجب القبول وما يوجب الرد فرجح جانب الرد ; لأن الفطر في رمضان من كل وجه جائز بعذر كما في المريض والمسافر
وصوم رمضان قبل رمضان لا يجوز بعذر من الأعذار فكان المصير إلى ما يجوز بعذر أولى ثم إذا لم تقبل شهادة الواحد واحتيج إلى زيادة العدد عن أبي حنيفة أنه تقبل شهادة رجلين أو رجل وامرأتين ، وعن أبي يوسف أنه لا يقبل ما لم يشهد على ذلك جمع عظيم ، وذلك مقدر بعدد القسامة ، وعن خلف بن أيوب خمسمائة ببلخ قليل ، وعن أبي حفص الكبير أنه شرط الوفاء ، وعن محمد ما استكثره الحاكم فهو كثير وما استقله فهو قليل هذا إذا كان الذي شهد بذلك في المصر أما إذا جاء من مكان آخر خارج المصر فإنه تقبل شهادته إذا كان عدلا ثقة ; لأنه يتيقن في الرؤية في الصحاري ما لم يتيقن في الأمصار لما فيها من كثرة الغبار ، وكذا إذا كان في المصر في موضع مرتفع ، وهلال الفطر [ ص: 290 ] إذا كانت السماء مصحية كهلال رمضان ا هـ .
فهذا يدل على ترجيح رواية الحسن وأن ظاهر الرواية اعتبار العدد لا الجمع الكثير لكن فرق بين من كان بالمصر وخارجه وبين المكان المرتفع وغيره قول الطحاوي : أما ظاهر الرواية فلا يقبل فيه خبر الواحد مطلقا كما في غاية البيان وفتح القدير .


