( ومنه ) [ ص: 225 ] أي ما لا يسن جماعة ( الوتر ) بفتح الواو وكسرها للخبر المتفق عليه { هل علي غيرها قال إلا أن تطوع } وتسميته واجبا في حديث كتسمية غسل الجمعة كذلك فالمراد به مزيد التأكيد ولذا كان أفضل ما لا يسن له جماعة وما اقتضاه المتن من أنه ليس من الرواتب صحيح خلافا لمن اعترضه ؛ لأنها تطلق تارة على ما يتبع الفرائض فلا يدخل ومن ثم لو نوى به سنة العشاء أو راتبتها لم يصح وتارة على السنن المؤقتة فيدخل وجريا عليه في مواضع ، ولو صلى ما عدا ركعة الوتر فالظاهر أنه يثاب على ما أتى به ثواب كونه من الوتر ؛ لأنه يطلق على مجموع الإحدى عشرة وكذا من أتى ببعض التراويح وليس هذا كمن أتى ببعض الكفارة خلافا لمن زعمه ؛ لأن خصلة من خصالها ليس لها أبعاض متمايزة بنيات متعددة يجوز الاقتصار على بعضها بخلاف ما هنا على أنه لا جامع بينهما كما هو واضح .
( وأقله ركعة ) للخبر الصحيح { من أحب أن يوتر بركعة واحدة فليفعل } وصح { أنه صلى الله عليه وسلم أوتر بواحدة } وبه اعترض قول أبي الطيب يكره الإيتار بها ويجاب بأن مراده أن الاقتصار عليها خلاف الأولى لمخالفته لأكثر أحواله صلى الله عليه وسلم لا أنها في نفسها مكروهة ولا خلاف الأولى ولا ينافيه الخبر ؛ لأنه لبيان حصول أصل السنة بها ( وأكثره إحدى عشرة ) ركعة للخبر المتفق عليه عن عائشة وهي أعلم بحاله من غيرها { ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة } وأدنى الكمال ثلاث للخبر الصحيح { كان صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث } الحديث وأكمل منه خمس [ ص: 226 ] فسبع فتسع ( وقيل ثلاث عشرة ) لما صح عن أم سلمة { كان صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث عشرة } وأوله الأولون على ما فيه بحمله ليوافق ما مر الأصح منه على أنها حسبت منها سنة العشاء ورواية خمس عشرة حسب منها ذلك وافتتاح الوتر وهو ركعتان خفيفتان فلو زاد على الإحدى عشرة بنية الوتر لم يصح الكل في الوصل ولا الإحرام الأخير في الفصل إن علم وتعمد وإلا صحت نفلا مطلقا ولو أحرم بالوتر ولم ينو عددا صح واقتصر على ما شاء منه على الأوجه وكأن بحث بعضهم إلحاقه بالنفل المطلق في أن له إذا نوى عددا أن يزيد وينقص توهمه من ذلك وهو غلط صريح .
وقوله : إن في كلام الغزالي عن الفوراني ما يؤخذ منه ذلك وهم أيضا كما يعلم من البسيط ويجري ذلك فيمن أحرم بسنة الظهر الأربع بنية الوصل فلا يجوز له الفصل بأن يسلم من ركعتين ، وإن نواه قبل النقص خلافا لمن وهم فيه أيضا ( ولمن زاد على ركعة الفصل ) بين كل ركعتين بالسلام للاتباع الآتي وللخبر الصحيح { كان صلى الله عليه وسلم يفصل بين الشفع والوتر بالتسليم } ( وهو أفضل ) من الوصل الآتي إن ساواه عددا ؛ لأن أحاديثه أكثر كما في المجموع منها الخبر المتفق عليه { كان صلى الله عليه وسلم يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء إلى الفجر إحدى عشرة ركعة يسلم من كل بركعتين ويوتر بواحدة } [ ص: 227 ] ولأنه أكثر عملا ، والمانع له الموجب للوصل مخالف للسنة الصحيحة فلا يراعى خلافه ومن ثم كره بعض أصحابنا الوصل وقال غير واحد منهم : إنه مفسد للصلاة للنهي الصحيح عن تشبيه صلاة الوتر بالمغرب وحينئذ فلا يمكن وقوع الوتر متفقا على صحته أصلا ( و ) له ( الوصل بتشهد أو تشهدين في ) الركعتين ( الأخيرتين ) لثبوت كل منهما في مسلم عن فعله صلى الله عليه وسلم .
والأول أفضل ويمتنع أكثر من تشهدين وفعل أولهما قبل الأخيرتين ؛ لأن ذلك لم يرد ويظهر أن محل إبطاله المصرح به في كلامهم إن كان فيه تطويل جلسة الاستراحة كما يأتي آخر الباب ، ويسن في الأولى قراءة سبح وفي الثانية الكافرون وفي الثالثة الإخلاص ، والمعوذتين للاتباع وقضيته أن ذلك إنما يسن إن أوتر بثلاث ؛ لأنه إنما ورد فيهن ولو أوتر بأكثر فهل يسن ذلك في الثلاثة الأخيرة فصل أو وصل محل نظر ثم رأيت البلقيني قال : إنه متى أوتر بثلاث مفصولة عما قبلها كثمان أو ست أو أربع قرأ ذلك في الثلاثة الأخيرة ومن أوتر بأكثر من ثلاث موصولة لم يقرأ ذلك في الثلاثة أي لئلا يلزم خلو ما قبلها عن سورة أو تطويلها على ما قبلها أو القراءة على غير ترتيب المصحف أو على غير تواليه وكل ذلك خلاف السنة . ا هـ .
نعم يمكن أن يقرأ فيما لو أوتر بخمس مثلا المطففين والانشقاق في الأولى ، والبروج والطارق في الثانية وحينئذ لا يلزم شيء من ذلك ، وأن يقول بعد الوتر ثلاثا سبحان الملك القدوس ثم اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك [ ص: 228 ] وبك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك .
( تنبيه ) قضية كلام بعضهم أنه لا تحصل فضيلة الوتر إلا إن صلى أخيرته وهو متجه إن أراد كمال الفضيلة لا أصلها كما قدمته آنفا ( ووقته ) أي الوتر ( بين صلاة العشاء ) ولو بعد المغرب في جمع التقديم ( وطلوع الفجر ) للخبر الصحيح بذلك ، ووقت اختياره إلى ثلث الليل في حق من لا يريد تهجدا أو لم يعتد الاستيقاظ آخر الليل ولو خرج الوقت جاز له قضاؤه قبل العشاء كالرواتب البعدية على ما رجحه بعضهم قصرا للتبعية على الوقت وهو كالتحكم بل هي موجودة خارجه أيضا إذ القضاء يحكي الأداء فالأوجه أنه لا يجوز تقديم شيء من ذلك على الفرض في القضاء كالأداء ثم رأيت ابن عجيل رجح هذا أيضا ، وبحث بعضهم أنه لو أخر القبلية إلى ما بعد الفرض جاز له جمعها مع البعدية بسلام واحد وفرق بين هذا وامتناع نظيره في العيدين بأن الصلاة ثم يصير نصفها قضاء ونصفها أداء ولا نظير له وبأنها أشبهت الفرض بطلب الجماعة فيها فلا تغير عما ورد فيها كالتراويح وما بحثه أولا فيه نظر ظاهر لاختلاف النية فلعل بحثه مبني على الضعيف أنه لا تجب نية القبلية والبعدية على أن الوصل كما يفهمه كلامهم يختص بأبعاض صلاة واحدة [ ص: 229 ] وليست القبلية ، والبعدية كذلك لاختلافهما وقتا وغيره .
( وقيل شرط ) جواز ( الإيتار بركعة سبق نفل بعد العشاء ) ولو من غير سنتها لتقع هي موترة لذلك النفل وردوه بأنه يكفي كونها وترا في نفسها أو موترة لما قبلها ولو فرضا ( ويسن ) لمن وثق بيقظته وأراد صلاة بعد نومه ( جعله ) كله ( آخر صلاة الليل ) التي يصليها بعد نومه ولم يحتج إليه ؛ لأنها حيث أطلقت انصرفت لذلك من راتبة وتراويح أو تهجد للأمر به في الخبر المتفق عليه وذلك للاتباع وبه يحصل فضل التهجد لما بينهما من العموم والخصوص الوجهي إذ يجتمعان في صلاة بعد النوم بنية الوتر وينفرد الوتر بصلاته قبل النوم ، والتهجد بصلاة بعده من غير نية الوتر فما وقع لهما هنا من صدقه عليه لا ينافي قولهما في النكاح إنه غيره على أن القصد هنا مجرد التسمية وثم بيان أن التهجد الواجب عليه صلى الله عليه وسلم أولا لا يكفي عنه الوتر وأن الذي اختلف في نسخ وجوبه عنه ما عدا الوتر وخرج بكله بعضه فلا يصليه جماعة إثر تراويح قبل النوم ثم باقيه بعده ، فإن أراد الجماعة معهم فيه نوى نفلا مطلقا .


