الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تدابير نبوية للحيلولة دون وقوع الطلاق 2-2

تدابير نبوية للحيلولة دون وقوع الطلاق 2-2

 تدابير نبوية للحيلولة دون وقوع الطلاق 2-2


كما أن أسباب الطلاق قد تكون من جهة الزوج فقد تكون أيضا من جهة الزوجة، أو من جهتهما معا، وكما أن السنة النبوية وجهت الزوج بمجموعة من التوصيات للحيلولة دون وقوع الطلاق، فقد وجهت الزوجة كذلك بأمور من شأنها أن تحتوي الخلاف وتقلل من فرص حدوث الطلاق.

1. تعظيم حق الزوج على الزوجة:
عظَّمت السنة النبوية حقَّ الزوج على زوجته، وجعلته أحد فروضها التي تدخل بها الجنة، حتى أن السجود لو جاز في شريعتنا لكانت الزوجة أحق من تفعله لزوجها من عظيم حقه عليها، ففي السنن عن عبد الله بن أبي أوفى، قال: لما قدم معاذ من الشام سجد للنبي صلى الله عليه وسلم، قال: «ما هذا يا معاذ؟» قال: أتيت الشام فوافقتهم يسجدون لأساقفتهم وبطارقتهم، فوددت في نفسي أن نفعل ذلك بك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فلا تفعلوا، فإني لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لغير الله، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، والذي نفس محمد بيده، لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها، ولو سألها نفسها وهي على قتب لم تمنعه». ومعنى قوله: "على قتب" كما نقله ابن الهمام في فيض القدير عن أبي عبيدة قال: كنا نرى أن معناه وهي تسير على ظهر بعير فجاء التفسير في حديث: "إن المرأة كانت إذا حضر نفاسها أقعدت على قتب"، ليكون أسهل لولادتها، والقصد الحث على طاعة الزوج حتى في هذه الحالة فكيف غيرها؟.
وهذه المكانة التي جعلت للزوج لها مقصد شرعي بعيدا عن تعظيم الذوات والأشخاص، وإنما لمَّا كانت تقع على الزوج مسؤوليات عظيمة تجاه الأسرة من التوجيه والتربية كان احترامه وتعظيم حقه ضروريا لسلامة الأسرة، والحفاظ عليها، وانتظام شؤونها.
وإذا استقر هذا المفهوم في تصور الزوجة انعكس ذلك على تعاملها من الاحترام والتقدير وحفظ مقام الزوج، على خلاف ما عليه الحال في بعض الأحوال من استهانة الزوجة بحق الزوج، وتفسير حقوقه الشرعية بمفاهيم الهيمنة وانتقاص شخص المرأة، فأدى ذلك إلى التمرد على الحقوق والمسؤوليات، وتفكك الأسرة وانفراط أمورها.
2. طاعة الزوج:
من أهم أسباب الأمان الأسري، وديمومة رباط الزوجية طاعة الزوجة لزوجها، وعدم استنكافها عن مطاوعته، فهذا المبدأ في الحياة الزوجية يحول بين حصول كثير من المشاكل الزوجية؛ إذ يبدأ الخلاف من نشوز الزوجة، وتمردها على حق مفروض عليها شرعا، ففي صحيح ابن حبان وغيره عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحصنت فرجها، وأطاعت بعلها، دخلت من أي أبواب الجنة شاءت».
وفي السنن الكبرى للنسائي وغيره عن عبد الله بن محصن أنَّ عمة له دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم لبعض الحاجة فقضى حاجتها، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أذاتُ زوج أنت؟» قالت: نعم قال: «كيف أنت له؟» قالت: ما آلوه، إلا ما عجزت عنه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «انظري أين أنت منه، فإنه جنتك ونارك».

فطاعة الزوجة لزوجها عبادة تنال بها طمأنينة الحياة في الدنيا ونعيم الجنة في الآخرة، وهي طاعة بالمعروف، بما تستطيع ويقع تحت قدرتها، وبما لا إثم فيه ولا قطيعة رحم، وبما من شأنه أن يعود بالمصلحة على الجميع، مما يجعل طاعة الزوج أمرا معقولا منسجما مع المنطق والمصلحة الإنسانية، لا كما يصوره ضعفاء العقول بأن طاعة الزوج انتقاص للمرأة بالعبودية للزوج والتبعية المطلقة.

ومن التوجيهات التي تضيق مجاري النزاع ما ورد من أمر الزوجة بطاعة الزوج إذا دعاها للفراش حيث لا عذر لها من مانع شرعي أو صحي، فقد يؤدي امتناع المرأة من أداء هذا الحق المشروع إلى عزوفه عنها، وفي الواقع قصص كثيرة تشهد بأن هذا من أسباب حصول الطلاق.
ففي الصحيحين عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه، فلم تأته، فبات غضبان عليها، لعنتها الملائكة حتى تصبح».
قال الوزير بن هبيرة في الإفصاح: في هذا الحديث من الفقه: أن الرجل إذا دعا امرأته إلى فراشه فامتنعت، كانت ظالمة بمنعها إياه حقه، فتكون عاصية لله بمنع الحق، وبالظلم، وبكفران العشير، وبتكدير عيش الصاحب، وبسوء الرفقة، وبكونها عرضت زوجها ونفسها للفتنة.
3. النهي عن طلب الطلاق من غير بأس:
ومما ورد في السنة النبوية تأثيم المرأة شرعا من طلب الطلاق من غير بأس، ولذلك ذهب بعض الفقهاء إلى تحريم الخلع مع استقامة الحال، ودليل ذلك من السنة ما رواه أهل السنن عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيما امرأة سألت زوجها طلاقا في غير ما بأس، فحرام عليها رائحة الجنة». وفي رواية الترمذي: «أيما امرأة اختلعت من زوجها من غير بأس لم ترح رائحة الجنة». وفيه أيضا: «المختلعات هن المنافقات» وحمل بعض الشراح النفاق هنا على معنى: العاصيات باطنا، المطيعات ظاهرا، وهي مبالغة في الزجر كما قاله الطيبي، وإن كان الحديث في صحته نظر كما قال ابن حجر في الفتح.
وهذا الترهيب النبوي من طلب الطلاق لغير سبب يشكل عائقا أمام المرأة الصالحة التي تخاف الله تعالى، فلا تتجرأ على طلب الطلاق إلا في حالات مشروعة كدفع ضرر عن نفسها، لسوء معاملة، أو غيرها كما ورد في الآية الكريمة: { إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله } البقرة: 230. ومعنى إقامة حدود الله هو العمل بها، والمحافظة عليها، وترك تضييعها كما قال الطبري في تفسيره، وإلا فلا ينبغي للمرأة المسلمة أن تطلب الطلاق مع استقرار الحال وصلاحه.
4. حفظ الزوج في غيبته:
مما ورد في السنة النبوية من التوجيهات النافعة التي تعين على ديمومة الزواج وتوطيد دعائمه، ما أمرت به المرأة من حفظ حق زوجها في نفسها وبيتها، فنهيت المرأة أن تأذن لأحد الرجال أن يتحدث إليها مجرد الكلام، ففي صحيح مسلم من حديث جابر في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم وخطبته، وفيه: «فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه».
ومعناه كما قال الخطابي في معالم السنن: أن لا يأذن لأحد من الرجال يدخل فيتحدث إليهن، وكان الحديث من الرجال إلى النساء من عادات العرب لا يرون ذلك عيبا ولا يعدونه ريبة، فلما نزلت آية الحجاب وصارت النساء مقصورات نهى عن محادثتهن والقعود إليهن، وليس المراد بوطء الفرش هاهنا نفس الزنا لأن ذلك محرم على الوجوه كلها.
وفي سنن ابن ماجة عن أبي أمامة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه كان يقول: «ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله خيرا له من زوجة صالحة، إن أمرها أطاعته، وإن نظر إليها سرته، وإن أقسم عليها أبرته، وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله».
وكثيرا ما أنهيت علاقات زوجية بسبب عدم امتثال المرأة لهذا التوجيه النبوي العظيم، فلم تحفظ زوجها في غيبته من الكلام مع الرجال الأجانب، وربما جرَّ ذلك إلى خيانة زوجها وشرفها وميثاق زواجها، فالسنة النبوية جاءت بكل ما يحفظ هذه الرابطة، ويصونها عن كل ما يخدش بها من صغير الأمر وكبيره.
5. الغيرة:
من الأمور التي قد تتسبب في إنهاء العلاقة بين الزوجين المبالغة في الغيرة، ولا سيما من الزوجة، وهي التهمة من غير ريبة ولا قرينة، فتسيء الظن بزوجها، وتتبع أسراره فإذا كثر منها ذلك ربما أدى إلى الطلاق، أما الغيرة مع وجود الريبة فهي مطلوبة ومحبوبة شرعا، في سنن أبي داود عن جابر بن عتيك، أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «من الغيرة ما يحب الله ومنها ما يبغض الله، فأما التي يحبها الله فالغيرة في الريبة، وأما الغيرة التي يبغضها الله فالغيرة في غير ريبة».
فكم أفسدت الغيرة من بيوت، وكم بددت من زيجات، ويتحول الأمر إلى وسواس دائم تتكدر معه الحياة، وتتفاقم بسببه الخلافات، والضغائن والأحقاد، وقلَّ أن يستمر الزواج على هذا الحال، بل يفشل غالبا.
وإذا تأملنا السنة النبوية القولية والعملية وجدنا فيها من أسباب استقرار الأسرة، ودوام العلاقة الزوجية، وسنجد فيها أيضا توجيهات كثيرة تخفف من غلواء الطلاق، وارتفاع حالاته في بعض المجتمعات، فالخير كله في امتثال الزوجين للتعاليم الشرعية، والحفاظ على حدود الله في علاقتهما، والتعامل بالأخلاق الحسنة ولا سيما عند حدوث الخلاف بينهما.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة